بقلم: رغداء جواد حجازي
جواد حجازي صاحب الريشة القوية الساحرة الساخرة ، تلك الريشة التي نبتت في أرض مصرية خصبة أصيلة وكأنما خلقت عيني صاحبها ذات تركيبة مختلفة عن كل المحيطين به، حيث كان جواد حجازي يرى الوجود بمنظور آخر منذ طفولته، فعلى سبيل المثال كانت ألعابه التي يصنعها لنفسه في مسقط رأسه و مكان إقامته الأولى ونشأته في قرية شوبك بسطة التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية ألعابًا مختلفة .. كان يعشق الرسم والتلوين فكان يصنع ألوانًا من الأزهار والنباتات بطرق ابتكرتها مخيلته و موهبته وهو مازال طفلًا، وكان يصنع تكوينات فنية وتماثيل من الطين، كان الفن يراوده عن نفسه منذ البدايات وقد استجاب فحصل على دبلوم معاهد المعلمين قسم تربية فنية، ثم درس بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة قسم التصوير.
ولأنه كان شخصًا متمردًا على كل الأوضاع الخاطئة ورافضًا للقيود وفي نفس الوقت ساخرًا صاحب دعابة لاذعة حاضرة، فقد وجد في فن الكاريكاتير ضالته المنشودة حيث بدأ في ممارسته منذ بداياته المبكرة ولكن بوعي حقيقي أنه سلاحه الساخر في مواجهة هذا العالم، وفي التعبير عن نفسه وعن الناس والرأي العام، وكان هذا الوعي المبكر سببًا في قوة أفكاره وصدق تعبيرها عن القضايا التي تتناولها ريشته بالنقد والتفصيل، وتسليط الضوء على كل ما هو خفي من سلبيات تنهش في أساس المجتمع.
وقد كتب في مقال له عن فن الكاريكاتير:"الكاريكاتير لغة عالمية تفهمه جميع الشعوب بكل مستوياتها، هذا عن الكاريكاتير الجيد المعبر دون شرح أو كلام مساعد".
عمل على سبيل المثال لا الحصر في مجلات صوت الشرقية وصباح الخير والشباب العربي والعمال والكواكب وسمير وحسن والرائد والتطبيقيين والإذاعة والتلفزيون وروزاليوسف وإقرأ السعودية وعمل في جريدة المساء والأهرام وعكاظ والبلاد والإقتصادية التابعة لمؤسسة الشرق الأوسط بالإضافة لبرامج تلفزيونية كاريكاتورية للتلفزيون المصري والسعودي، ومن خلال عمله في كل هذه المؤسسات الصحافية متنوعة المجالات استطاع الانطلاق بحرية للتعبير عن مشاكل الناس وهمومهم بقوة كان سرها إيمانه الحقيقي الذي عبر عنه في جزء من مقال مهم له عن عمل المرأة بمجال الكاريكاتير حيث قال : "إن فنان الكاريكاتير لابد و أن يمارس فنه بناءً على خبرة طويلة نتيجة الاحتكاك المباشر بفئات ونوعيات من البشر ومعايشتهم والتعامل معهم وفهم لغتهم وحواراتهم بل ورموز بعض الفئات الذين يحيطون أنفسهم بسياج من السرية داخل ممالك لا تخضع لأية قوانين أو أعراف ومن هؤلاء النصابون، وممارسوا بعض الأعمال الأخرى داخل أسوارهم كتجار ومتعاطوا المخدرات، وبعض شلل أخرى كالعربجية، وماسحي الأحذية، وعمال البناء".
لذلك كان جواد حجازي يختلط بكل هؤلاء برغبته الخاصة و ينسحق وسطهم مغامرًا بحياته في معظم الأحيان لكي يكشف همومهم ومشاكلهم وسلبياتهم وتأثيرهم على من حولهم فكانت أفكاره تأتي من عمق المجتمع واهتمامات الناس والرأي العام فلقد كان يعتبر نفسه لسان العامة وسلاح الجمهور للتعبير عن كل ما يشغلهم في كل المجالات وكان هذا التعبير يأتي صادقًا بسبب انغماسه الحقيقي بين كل الفئات كما سبق ذكره ؛ وكان يؤمن بمقولة شخصية له: "سلاح الجندي بندقية و سلاح الفنان ريشة".
وخلال مشواره ابتكر العديد من الشخصيات أشهرها شخصية أبو العريف، شخصية أبو بلاش، كشخصيات أصيلة يشعر المتلقي أنها منه وإليه، ويرى الجمهور واحدًا منهم يتحدث بلسان ساخر فصيح عنهم داخل العمل الكاريكاتوري.
لقد كان الفن حياة بالنسبة لجواد حجازي .. فعلى المستوى الشخصي كان رجلًا شرقيًا غيورًا و كان خفيف الدم حاضر الدعابة، و كان يهتم جداً بممارسة التمارين الخاصة بتقوية الأصابع الذراع بشكل يومي تزامنًا مع تمارين الرسم والتشريح الفني، لذلك كانت خطوطه حتى آخر يوم في حياته قوية واثقة مثل أفكاره، وكان الفن هو منظاره للحياة سواء في بيته أو مظهره أو بين أولاده وأسرته.
وإذا ما كان لكل بيت رائحة مميزة تلتقطها أنفك في أول زيارة فقد كانت رائحة الألوان والأحبار والأقلام هي كارت تعريف دخولك لبيت وعالم جواد حجازي الخاص، كان فنانًا حقيقيًا يستنشق فنًا و يزفر إبداعًا في كل مجال، وله العديد من لوحات الفن التشكيلي التي عرضت في أنحاء العالم، كما أن له باع طويل في مسرح العرائس التعليمي بحكم دراسته للإخراج المسرحي، وقد ابتكر ونفذ شخصيتي (زعبوب و زعبوبة)، وهما عروستي مابيتشو كتب لهما العديد من المسرحيات التربوية الهادفة والتي عرضت بقصور الثقافة.
في بداياته قال عنه الفنان الكبير صلاح جاهين: "فنان قادم من الأرياف سيكون له شأن كبير بعد عامين"، ونشر تلك المقولة مع عمل له في الأهرام.
وخلال رحلته الفنية التي اقتربت من الأربعين عامًا من الإبداع تطور أسلوبه وخطوطه من التفاصيل إلى البساطة، ومن التأثر بجاهين وحجازي في بداياته إلى الاستقلالية التامة والتفرد بأسلوب جواد حجازي، حيث كانت له مقولة شهيرة آمن بها و حققها: "إن قمة هرم النضج الفني لفنان الكاريكاتير هي أن يكون أسلوبه توقيع شخصي له بحيث يعرف المتلقي أعماله من خلال خطوطه دون النظر لتوقيعه".
كان عالمًا كاملًا متكاملًا من الإبداع سواء على المستوى الشخصي أو الفني.