رحل المصور والرسام الصحفى محمد رضا ..صاحب الريشة المؤثرة فى الكاريكاتير السياسى والاجتماعى .. وكان رساماً لمجلات عديدة من بينها صباح الخير وروزاليوسف والإذاعة والتلفزيون .. كما عمل لفترة طويلة بالصحافة الليبية مصمما ومشرفاً فنياً ورساماً..
الكاريكاتير والفن الصحفى
كانت رسالة جيل الستينيات من فنانى الصحافة الذى ينتمى إليه الفنان محمد رضا ..تصوير صورة شخصية للوطن والارتباط بهمومه وقضاياه ..يقول الفنان محيى اللباد :" فى أول الستينيات انضم رضا إلى الفريق الذى أصدر مجلة المنصورة ..تلك التجربة الثقافية والسياسية المهمة وخاض مع المجلة معاركها من أجل واقع أفضل ..أيضا شارك فى تأسيس مجلة سنابل التى أصدرتها محافظة كفر الشيخ
...وكانت تجربة ثقافية فريدة اضاءت الطريق لعدد من المواهب فى الشعر والنقد والرسم.
فى عام 1965 انضم رضا إلى مجلة صباح الخير.. التى انطلقت منها المدرسة المصرية الحديثة فى الكاريكاتير.. وكان ناظرها صلاح جاهين ..كما رسم الكاريكاتير والرسم الصحفى فى شقيقتها روزاليوسف ".
عمل فناننا حتى عام 1972 رساما بمجلة الاذاعة والتلفزيون ..وفى خريف هذا العام اعير إلى ليبيا من قبل وزارة الإعلام وأقام هناك 29 عاما متصلة ..وكان عمله الأساسى الإخراج الصحفى ورسم العديد من الشخصيات السياسية والثقافية ..وقد تألقت رسومه فى الكاريكاتير السياسى والاجتماعى بجريدة "الأسبوع الثقافى" فى السبعينيات ..وحتى توليه مجلة "لا " من نهاية الثمانينيات ..واستمرت ريشته تضىء على الواقع وتهفو إلى الحلم ..مع الإخراج والتصميم من التنسيق والترتيب والتبويب للمجلة.. حتى أصبح له تلاميذ هناك بالبلد الشقيق.
عالمه
كانت تجربة الفنان رضا حافلة بالتنوع والثراء ..وقد ساهم فى الارتقاء بأهالينا من البداية فى الريف المصرى ..خاصة مشاركته بالريشة فى محو الأمية ..فى عام 1965 رسم جدارية على الحائط ..فى مدينة المنزلة بمساحة 5 متر مربع بالأبيض والأسود ..تنتمى للواقعية التعبيرية تنوعت فى خطوطها..مصورا مسنا عاكفا على الكتابة .. متوحدا مع الورقة والقلم هادئا سعيدا نحو النور ..كما صمم ونفذ مجلة حائط بقريته سندوب "المنصورة ".. بعرض 25 مترا وارتفاع 4 أمتار تجدد كل أسبوعين ..وكان يشارك فى تحريرها أبناء القرية من المثقفين والفلاحين ..ممن يتلقوا القراءة والكتابة فى دروس محو الامية.
وقد امتدت أعمال الفنان رضا فى فن الكاريكاتير السياسى والاجتماعى ..بريشة مؤثرة.. تناول فيها القضايا العربية من :التسلط والإرهاب الإسرائيلى والمقاومة والإرادة الفلسطينية.. والاعتداء على العراق والنظام العالمى الجديد والهيمنة الأمريكية ..وتهميش دور الأمم المتحدة فى الصراع العالمى والابتزاز الاستعمارى فى أفريقيا ..والجوع ..وسطوة الدولار ..مع العديد من القضايا الاجتماعية ..مثل التدخين وأخطاء التكنولوجيا وظاهرة التسول ..كل هذا بريشة كاشفة ذكية لماحة فى رسوم مدروسة ..مثقلة بالتهشيرات بإنسياب الخطوط الدقيقة والسميكة التى تشكل حوارات ..من التنغيم والتجسيم والأضواء والظلال.
وكما يقول الفنان أحمد بكر بلديات وصديق محمد رضا : يحتاج الفنان الراحل .. الكثير من الكتابة حول تجربته الفنية الثرية.. بتاريخها النضالي الحافل والدرامي ..لم يكن فنان صالونات أنه محارب بريشته لما يحبه ..اشتراكي الهوى قوي التعبير.. وارتبطت رسومه بالبسطاء والمهمشين والمظلومين في المجتمع ...شاب شعره وضعف جسده ولم تضعف ريشته وحبه للرسم ..من عمق وجدانه ...كان كالوتد في مقاومة أي شئ ليس على هوى روحه الفنية والإنسانية ".
رضا المصور
كان محمد رضا مصوراً من طراز رفيع..وإذا كان الفن الصحفى شاغله اليومى فى الصحف والمجلات ..إلا أن أعماله فى فن التصويرتمثل مساحة تعبيرية خاصة ..وقد تألقت لوحاته بالطبيعة الصامتة من الأوانى والزهور فى اشراق لونى وبلاغة فى التكوين والإيقاع كما فى لوحة " تفاح وزهور " ..وتحفل أعماله بملامس العناصر فى قدرة فائقة ..كما فى تشكيله "للكنكة والكوب" الذى يغلب عليه اللون الازرق فبدت الكنكة فى لمعان المعدن بينما يبدو الكوب فى شفافية الزجاج مع ملمس الستارة المتدلية الوردية ..وقد صور الحياة الاجتماعية فى مصر وليبيا من الأفراح ..والرقصات الشعبية وتجمعات الناس فى المواسم والأعياد فى لوحات يغلب عليها الحركة ..بمنظومات لونية من الأحمر البهيج والأزرق البحرى والأصفر.
وجاءت لوحته الطريفة "فى انتظار الدور" لفلاح وزوجته بأحد البنوك ..هو جالس وحده على المقعد العرضى ..بينما تجلس زوجته بجواره على إرضية قاعة الانتظار ..وتؤكد الملامح الريفية للزوجين عمق أحساس فناننا باهالينا وارتباطه بالناس.
أسطورة الحب
بطول التاريخ خلد القلم والريشة قصص الحب فى الشرق والغرب ..من تلك القصص المسكونة بالمشاعر والمواقف الانسانية.
وفى لوحة التصوير كانت علاقة بيكاسو ..بزوجته الأخيرة "جاكلين روك" يسودها الحب الجارف وحيوية الإبداع ..وقد رسمها فى صور وتعبيرات عديدة مع اختلاف وتنوع الأداء ..ورسم من وحيها "نساء الجزائر" ومزج صورها بكل المواد وصبغ وجهها بكل الألوان ..من الرسم إلى التصوير والحفر فى أكثر من مائة لوحة .. وغلب من حبها له أن تخلصت من حياتها عام 1986 بعد رحيله ب 13 عاماً ..بعد أن أصابها الاكتئاب ولم تستطع البقاء بدونه.
وقد خلد سلفادور دالى زوجته "جالا "فى صور عديدة بروح سيريالية لعل أشهرها .."جالا والبجعة " من وحى الأسطورة الإغريقية.
وتظل لوحات محمد رضا للسيدة زوجته "نبيلة " النبيلة ..أسطورة فى الحب والوفاء والتفانى والإخلاص ..فبعد رحيلها عام 2014 ..قصر ريشته "باستثناء أعمال قليلة " على تلك المشاعر الفياضة التى عكسها فى العديد من اللوحات ..فكانت أسطورة فنه فى 12 لوحة تمثل مساحات فريدة فى تعبيرية الصورة الشخصية التى تحمل موضوعاً ..شكلها بقلبه ومشاعره وأعاد من خلالها أوقات عاشتها الزوجة المخلصة الوفية ..جسد فيها شخصيتها ..جالسة واقفة ..مبتهجة مستبشرة ..حزينة ومتأمله ..أعاد من خلالها الذكريات ..وهذه الحالات والمواقف ..صورها أمام ماكينة الخياطة شغفها الخاص ..وتبدو قطتها المتطلعة من بين طيات القماش.
وعلى كورنيش المنصورة فى أحدى لوحاته ..بدت الراحلة العزيزة تخطو وبجوارها قطتها الأثيرة الأليفة ..تحمل مع نظارتها مفكرة حمراء ..على خلفية من السور والمياه ومركب بخارى ..وفى لوحة أخرى تعكف على شغل "التريكو " ..ولكن بدأت رحلته مع ألم الفراق ووجع البعاد وانتقل من روح الحياة إلى قتامة النهاية ..وقال قولته الحزينة :" لم أزل أحيا هنا على رصيف الموت "وفى أحدى صوره رسم كومة من الجماجم وراسها ..يطل من بينها، بينما يطل براسه فى الخلفية.
كان يذهب إليها ..يقف إمام المثوى الأخير ..وتطول وقفته ..يتحدث إليها ويبثها إحزانه .. وفى لوحة "حديث الروح " ..صور وقفته الجليلة امام قبرها ..المحفوف بزهور شجرة وارفه ..يقف على أحد أغصانها طائران يتناجيان ..وأسفل وردة حمراء واصيص صبار مزهر بزهرتين ..مع لافتة معدنية كتب عليها :"نبيلة ابراهيم حجى ..كانت جادة ومخلصة وزاهدة ..يرحمها الله " .. هكذا كانت أسطورة الحب والوفاء ..سلام عليهما وتحية الى الروح الشفافة.
جريدة القاهرة .. الثلاثاء 15 يونيو 2021