recent
News

في الفاضية والمليانة .. أعمال جاهين الأصلية ببيت السحيمى

Home
Egypt Cartoon .. في الفاضية والمليانة .. أعمال جاهين الأصلية ببيت السحيمى

بقلم: منى عبد الكريم
  
فى أول لقائنا به فى واحدة من محاضرات الترجمة بكلية الألسن، طلب مننا المعيد الشاب آنذاك أن نترجم رباعية جاهين "غمض عينك وارقص بخفة ودلع.. الدنيا هى الشابة وأنت الجدع.. تشوف رشاقة خطوتك تعبدك .. لكن أنت لو بصيت لرجليك تقع.. وعجبى!".. وكانت تلك الرباعية واحدة من الرباعيات القريبة لقلبى لأننى كنت أنتظر دوما سماعها بصوت الرائعة إيناس جوهر على إذاعة الشرق الأوسط، وكان تعلقى بالراديو وصوت إيناس جوهر وكانت الرباعيات هى مدخلى للتعرف على عالم صلاح جاهين.
حفظت كثير من رباعيات جاهين، وسمعتها بعد ذلك بصوته وصوت الحجار، وفى ليالى الشتاء كنت أجوب شوارع المدينة، تتردد فى خاطرى رباعيته "إيديا فى جيوبى وقلبى طرب" بصوت منير.. تتبعت جاهين فى كلمات أغانيه، أحببت زوزو المليئة بالحياة، وغرقت فى أحزان شفيقة، فقد كتب سيناريو عدة أفلام من بينها "خلى بالك من زوزو" و"أميرة حبى أنا" و"المتوحشة" و"شفيقة ومتولى" .. وغيرها، إضافة إلى روحه المتقدة التى أشعلت الحماس فى كثير من الأغانى الوطنية ، أشهرها "صورة" و"بالأحضان" وغيرها، كان جاهين حالة متفردة ليس كأحد أهم شعراء العامية ولكن كسيناريست وكاتب ومؤلف مسرحيات للأطفال ومنتج اتجه لهذا المجال محاولا أن يقدم روحه كلها بجميع جوانبها فى كل عمل من تلك الأعمال التى أنتجها، ولكن جاهين كذلك كان رسام كاريكاتير فذ، ناقش برسوماته التى تميزت ببساطتها كثير من القضايا المجتمعية والسياسية.
 
Egypt Cartoon .. في الفاضية والمليانة .. أعمال جاهين الأصلية ببيت السحيمى (1)
فقد امتلك رحمه الله خليطا فريدا من المواهب أتقنها جميعها، وكانت كلمة السر فيها علاقته بالإنسان المصرى، الناس الذين أحبهم وعبر عنهم، وذاب فيهم، عرفهم فى الريف بينما يجوب القرى والنجوع فى طفولته على مدار أكثر من 12 سنة بحكم عمل والده كوكيل نيابة وقاضى اقتضت مهنته التنقل من مكان لآخر أو على حد تعبير جاهين "بلد تشيلنا وبلد تحطنا" فكان ذلك سببا  فى تشربه الفن ، وتفجر إحساسه به، فى تماسه فى أعمق أعماقه .. بتقاليده وعاداته وأساطيره وأغانيه ورقصاته، حتى أن أول عمل ظهر له حال عودته إلى القاهرة كانت " سوق بلدنا"  وأشهر ما فيه المقطع الذى يقول فيه "حلاوة  زمان عروسة حصان .. وآن الأوان تدوق يا ولا".
وعلى شهرة جاهين كشاعر فإن مهارته وشهرته لا تقل فى فن الكاريكاتير، حيث بدأ مهنته كرسام مع مجلة "روز اليوسف"، ثم بعد ذلك مجلة "صباح الخير" ثم انتقل إلى جريدة الأهرام، الذى قضى فيها ما يقرب من عشرين عاما يرسم الكاريكاتير.
وقد أتيحت لى مؤخرا فرصة مشاهدة 40 عملا أصليا من رسومات الفنان الكبير صلاح جاهين، من خلال المعرض الذى استضافه بيت السحيمى التابع لقطاع صندوق التنمية الثقافية، والذى اشترك فى إعداده كل من الجمعية المصرية للكاريكاتير ومتحف الكاريكاتير الذين ساهموا بتوفير الأعمال من مقتنياتهم.
Egypt Cartoon .. في الفاضية والمليانة .. أعمال جاهين الأصلية ببيت السحيمى (1)
ويأتى هذا المعرض ضمن سلسلة معارض بعنوان: "من تراث الكاريكاتير" التى تهدف للحفاظ على تراث فن الكاريكاتير المصرى، والتعريف بمبدعيه ورواده الذين أثروا الحركة الفنية، وعايشوا وعبروا بصدق عن أهم الأحداث التى مرت على مصر والعالم، غير أن عنوانا آخر للمعرض انتشر بين عدة مواقع إلكترونية وهو "فى الفاضية والمليانة" هو عنوان العمود الشهير الذى كان يكتبه صلاح جاهين فى مجلة صباح الخير، تلك المجلة العريقة التى تولى رئاسة تحريرها.
وعلى الرغم من انتشار عشرات الرسومات وتوفرها حاليا على شبكة الإنترنت، وكذلك تجميع رسومات جاهين فى كتاب "الأعمال الكاريكاتيرية الكاملة لصلاح جاهين"  الصادر فى مجلدين عن الهيئة العامة للكتاب بالتعاون مع الجمعية المصرية للكاريكاتير ومركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى، إلا أن إحساسا مختلفا اعترانى بينما أتأمل الأعمال الأصلية وما خطه جاهين بالقلم الرصاص على الأوراق التى علاها اللون الأصفر بفعل الزمن.
وقد ضم المعرض مجموعة متنوعة من الأعمال التى تعبر عن مختلف الموضوعات التى كان جاهين يتعرض لها برسومه الكاريكاتيرية كالسياسى منها مثلا "فى مسألة الحرب اللبنانية الأهلية" وكذلك المجتمعية والبيئية، مثل تلوث الجو، وحال موظفين الحكومة، وعلاقة الأزواج بحمواتهم ، وغيرها من الأعمال التى تنتمى لعدد من السلاسل والشخصيات التى اشتهر جاهين بتقديمها ومنها "دواوين الحكومة" و"ضحكات مكتبية" و"قيس وليلى" و"عنتر وعبلة"، إذ اشتهر أيضا بتقديم "الفهامة" و"قهوة الصباح" و"نادي العراة" وغيرها.
Egypt Cartoon .. في الفاضية والمليانة .. أعمال جاهين الأصلية ببيت السحيمى (1)
ولم يكن الأمر سهلا لاسيما مع تقديم رسمة فى جريدة يومية، فقد كان جاهين يقضى يومه فى متابعة الأخبار، لاختيار ما سيرسمه، أحيانا ينتظر حتى المساء حتى يتسنى له متابعة ما يحدث فى الإذاعات ووكالات الأنباء والصحف حتى تختمر الفكرة برأسه لينتهى منها شريطة أن يحدث ذلك قبل التاسعة مساء، قبل أن يسلمها للرجل الذى يأتيه على موتوسيكل ليستلم منه الرسمة من الجريدة، أو "الرجل الغامض" كما أسماه حيث كان يأتيه مرتديا جوانتى ونظارة سوداء وجاكيت جلد بياقة من الفرو.. ذلك الاسم الذى اشتهر كمقطع من أغنية يا "واد يا تقيل" سعاد حسنى فى  فيلم "خلى بالك من زوزو" والتى تقول "الراجل الغامض بسلامته متخفى بنضارة".
 وما بين كتابة الشعر ورسم الكاريكاتير يتحدث جاهين عن نفسه فى فيلم "العبد لله والناس" .. .. الذى يروى فيه صلاح جاهين مشوار حياته والذى أخرجه محمد فاضل وكتب السيناريو الخاص به "راجى عنايت" والموجود على موقع جريدة الوطن على اليوتيوب،  "كنت زمان بقول إنى شاعر أولا والرسم دا أكل عيش، لكن اهتمام الناس بالكاريكاتير اللى بقدمه كل يوم غير الوضع.. خلى العمل الصحفى فى المقدمة بالنسبة لى، وخلى الشعر والأدب هواية تقريبا، والسبب فى ذلك الجمهور هو اللى رجح كفة الصحافة" ..  إذ كان جاهين يتأثر جدا بالجمهور ويحاول أن يتواصل معهم ويعبر عنهم فى كل ما يفعله.
الحقيقة أنه من الصعب الحديث عن جاهين، بكل ما قدمه فى مشواره الحافل، لقد كان "فنان مليان" كما وصفته سعاد حسنى، ولكن ما أراده جاهين هو أن يسكن قلوب الناس وأن يعبر عنهم، وأن يظل بينهم، وهو ما نجح فيه بالفعل، حتى يومنا هذا.
نشرت بجريدة أخبار الأدب
15 أغسطس 2021
 
google-playkhamsatmostaqltradent