بقلم: أحمد عبد النعيم
كان
طبيعيا أن يبدأ الكاريكاتير فى مصر سياسياً فكراً وموضوعاً نظراً للظروف
التى كانت تعيشها مصر من إحتلال وفقر وقصر فاسد وتناحر بين الأحزاب، وهو
مناخ جيد لصناعة الكاريكاتير السياسى الذى يغلب عليه الخطابية والاهتمام
بالرمز وأحيانا التصريح بالرمزية كما فعل سانتيس الرسام الاسبانى على صفحات
مجلة الكشكول، وهى المجلة التى كانت تمول من بعض الرجال المحسوبيين على
القصر لتشوية صورة زعيم الأمة سعد زغلول، فراحت المجلة تنتقد سياسة الوفد
أسبوعياً من عام 1924 وحتى 1931 وتراجعت الفكرة الاجتماعية على حساب
الكاريكاتير السياسى، وكان نجومه الأسبانى سانتيس على صفحات مجلة الكشكول
والتركى على رفقى والآرمنى صاروخان، الذى حصل بعد ذلك على الجنسية المصرية
بعد ثورة 1952.
وظل
الكاريكاتير السياسى البطل حتى جاء جيل ثورة 52 ( صلاح جاهين ـ بهجورى ـ
حجازى ـ رجائى ) وتحول شكل الكاريكاتير الى التخلص من الكثير من الخطوط
والاهتمام بالرمزية والتأكيد على خفة دم الشعب المصرى بالأفكار الاجتماعية
التى هى فى صميم المشكلة السياسية، وحاول هذا الجيل التاكيد أن الحديث عن
الأزمات الاجتماعية من البيروقراطية أو أزمات العيش والبطالة هى كلها أفكار
سياسية.
وتعود
المتلقى المصرى والعربى على الشكل الجديد للكاريكاتير وراح هذا الجيل فى
الترسيخ لمدرسة الكاريكاتير فى العصر الحدث ومهد الطريق الى الجيل الثالث
من رسامى الكاريكاتير ( جمعة ـ تاج ـ رؤوف ـ سمير ـ اللباد ـ محسن ـ بطراوى
) كوكبه شبابية يسعى كل منهم لصنع أسلوب خاص، البعض التزم بالتقليد الحرفى
حتى تخلص منه سريعاً والبعض راح إلى فكرة التجريب حتى الوصول الى الأسلوب
الذى يرتاح إليه والبعض فكر فى الأجتهاد الشخصى.
فكان
الفنان جمعه وهو طالب شاهده الأستاذ ألبرت مسيحة مدرس اللغة الأنجليزية
يرسم أثناء الشرح على كشكول الدرس، رسوم يسخر فيها من الجميع وسط حالة
الرعب للتلميذ جمعة، ابتسم الأستاذ وتحول من رجل ضخم الجثة إلى شخص هادئ
ودعاه إلى منزله، واحضر له كتاب عن الكاريكاتير باللغة الانجليزية، وقدمه
الى مدرسة الكاريكاتير مجلة روزاليوسف ليشهد رسومة الفنان بهجت عثمان ويسنى
عليها وكان أول رسومة المنشورة فى 1958 شهر رمضان، وجمعه مازال طالب بكلية
التجارة جامعه فؤاد الاول، ولكن لاحساس خاص يملكه جمعه واحده شعر أن عليه
ان يبذل الوقت والجهد أكثر وهمس فى أذنه أن رسومه تحتاج إلى بعض الوقت
وانقطع لبعض الوقت وأخذ يراقب أكثر ويصنع الاسكتشات ويرسم الناس والأحياء
ويصنع حالة من الخطوط الخاصة ويرتكن إلى خطوط للبورترية ماركة جمعه فقط .
وعندما
أستراح الفنان داخله إلى خطوطه ذهب مرة أخرى إلى بيته مجلة روزاليوسف
ليلتقى بأستاذ أخر الفنان ناجى كامل والذى يعتبره الأستاذ الحقيقى له ..
وعنده شاهده حسن فؤاد صياد النجوم الماهر ويكتشف موهبته لينشر بعده صفحتين
البورترية والفكرة السياسية وتنطلق موهبته الحقيقية ويصنع لنفسة الأسلوب
الخاص والريشة التى تعرف مداد الحبر وحجم الورقة البيضاء وصناعة الكتلة
داخل المساحة لتنفجر فكرة قد تؤدى بصاحبها الى السجن فى ظل انظمه لم تكن
تدرك معنى المعارضة وهى الناصية التي كان يرتاح إليها جمعة لايقف آلا على
ناصية المعارضة ذات توجه يسارى يتفق مع إنتمائه السياسى وهو الناصرى الهوى
حتى عندما رسم فى جريدة الوفد فأنا كان يمثل اليسار داخل اليمين وهى
التجربة التى يتحدث عنها ( عندما عرض على العمل فى جريدة الوفد عام 90
ترددت كثيراً وظللت شهرين حتى اعطيهم الموافقه على العمل وكنت أعمل فى
الجريدة التى كانت تحترم توجهاتى السياسية واستشرت اكثر من صديق من رسامى
الكاريكاتير وقال لى حجازى يا جمعه نحن مسئولين عن التاريخ وليس الجغرافيا
بمعنى أن التاريخ اليومى هو مهمتنا أى مايحدث والمكان ليس مسئوليتنا أما
الفنان زهدى فقال لى رسام الكاريكاتير يحتاج إلى نافذة يطل منها كل يوم
وهذا ماتمثلة الجريده اليومية ).
ولأنه
فنان حقيقى ظل يرسم الكاريكاتير فى كل الجرائد المعارضة بأنتمائه الفكرى
وليس بهوى الجريده فعندما غيرت جريدة الشعب من توجها السياسى تركها جمعه
فوراً ليرسم بالأهالى .. يرسم ما يتفق مع فكره وحالته الوجدانية لانها يصنع
موقف وليس تاجر شنطه حتى فى اختلافة مع النظام والتضيق على رسومه بعد
مواقفه السياسية من اتفاقية كامب ديفيد أو ربما الاختلاف مع رئيس تحرير جاء
من منظومه فكرية مختلفة اختار جمعه الرسم للطفل فى مجلة ماجد لمدة ثلاث
سنوات كاملة يرتاح فيها المحارب داخلة ويشحن بطارية الصمود التى ظلت تنبض
وتشعر وتحس لم يترك عشقة الكاريكاتير ولكنه اختار زاوية اخرى.
تمام
لا يختلف عن الخط المستقيم فى رسومه فهو خطوطه لاتختلف ولا يختلف عنها ..
هكذا كان مفتاح الفنان زهدى عن جمعة فى مقدمه الرائعة عنه (لكل فنان منهجه
فى ترتيب مفاجاته وبها يتشكل اسلوبه الخاص فى التعبير الكاريكاتيرى وهذا
المنهج لا يأتى من فراغ وبعيدا عن الخصائص التى تتحدد بالتفاعل بين شخصية
الفنان والبيئه التى ينشأ ويتواجد فيها فمن هذه الخصائص وليس بدونها يمكن
التعرف على فكر الفنان وبالتالى فلسفته تبقى كلمه الصفه البارزه عند جمعه
انه يمتلك حسا فنيا راقيا كما يمتلك قدر لاباس به من شجاعة المحاولة بجرأة
واستقلاليه وهو فى الغالب يعتمد على اعتقاد وثقة فيما يتمتع به من فطره
سليمه فرسومه تبدو كما انه يعتمد على ابرازها ممزجة بقدر من التلقائية
الفطرية ).
وشهاده
الفنان زهدى تبقى كما تبقى ورقة البردى شاهده على أن هنا كانت حياة وأن
البشر عرفوا الحضارة من أرض النيل وأن السخرية والرسوم كانت مع الأنسان
الاول وأن رسوم جمعه حافظه للتطور السياسى المصرى والعربى والعالمى تنقل
وجهة نظرنا العربية تجاه الممارسات القمعية لكل الأنظمة القمعية فى العالم
وتبقى رسومه عن القضية الفلسطينية سهم نافذ الى قلب زعماء الصهيونية وهو
صاحب اللوحه الشهيرة التى رسم كل رؤساء اسرائيل يحمل كل واحد منهم مذبحة
شهيرة حتى من يحاول منهم التمسك بالسلام المذعوع خلعت ريشته ورقة التوت
وبانت عورته وكشفت زيف الادعاء الكاذب .. واستاعت ريشته فضح المزاعم من
خلال وكيل اعمالة الذى يراسلة وتنشر رسومه فى اكثر من 112 جريده امريكية و5
اوربية و5 اسيوية.
وطقوس
الفنان داخل جمعه خاصة فليس له صومعه خاصة ولكن صومعته الناس والبشر فهو
حالة اجتماعية خاصة يعشق العمل الجماعى ظل يحلم مع الفنان زهدى بحلم
الجمعية المصرية للكاريكاتير وله نشاطه الخاص بها لايشغلة عمله الخاص عن
العمل الاجتماعى الاقرب لكل الاجيال يحفظهم ويحفظ اعمالهم يعرف هواة الفن
ومحترفيه يتحدث عنهم بحب قد ينزعج البعض من نصائحة بضرورة الرسم مايناسب
جيلك هنا يقصد انك الاقرب الى المشكلة اكثر من جيلة ولكنه يحب الأجيال
ويعشق نجاحهم .. ويبقى السؤال هل اخذة الكاريكاتير السياسى عن الكاريكاتير
الاجتماعى .
جمعة
الذى بدأ فى الفترة الناصرية يرسم الكاريكاتير الاجتماعى وكل الرسامين
كانوا يداعبون هذة الفتره ولكن كان دائما على الفنان الحديث عن كل شى بشكل
غير مباشره وكان الرمز هو السيد والكاريكاتير الساسى اغلبه خارجى يتماشى مع
الحالة المزاجية للفتره حتى كانت فترة النكسة وقبل ان يصل الكاريكاتير الى
مرحلة جلد الذات اختلف الكاريكاتير الى الغرض التحفيزى وتوارت السخرية
ولفترة السادات يقول جمعه ( لقد اختلفت مع السادات بعد كامب ديفيد والكثير
تركوا مجلة روزاليوسف ولم اتركها لعملى بها وكنت ارسم وقتها عن السلام
بالمفهوم العام وعن القضايا الاجتماعية وعن احداث سنه 1977 قلنا انها ثورة
شعبية ولم نقل انتفاضة حرامية ) .
وجمعه
صاحب شخصية محارب طول الوقت لقد وقف وحده يحارب توغل الفنان لورى الصهيونى
الذى كان يحاول ان يرسم فى الصحف المصرية مداعيا انه مناصر للقضية العربية
ولكن ظل جمعه المحارب يكشف كل يوم بالقم وتخلى عن الريشه يكشف زيف
وادعاءات هذا الفنان وقف صلب لا يلين ابدا وتلك طبيعته المحاربه كرسومه
ثابته تؤمن بقضية ويعرف طريقه ويحدد بوصلته جمع رسومة فى كتاب عالم ساخن
جدا يحمل احلى رسوم سياسية يمكن ان تراها عين فكره وتنفيذ .
وفى
كتابه الثانى 4 حكومات ومعارضه يلخص حكومات مرت على مصر ويتعرض معك بكل
هدوء وصخب فى نفس الوقت كيف تسعى كل حكومه الى تثبيت الكرسى ويشرح جمعة
سياسه فى قالب ساخر يملك مشرط الجراح الماهر الذى يعرف موطن الجرح ولايخفى
على مريضه وقد يعتقد البعض ان الطبيب يقسوا على مريضه ولكنه جمعة لايعرف
الزيف ولا انصاف الحلول واضح ابيض نقى .. صاحب ريشه خاصة وحالة تعرف انها
تعبر عن ضمير وطن يرتاح الفنان داخلة عندما يسمع من يلقبه بالسياسى والفنان
يقبل منك النقد ويعترف به ولايخجل وانا احدثه انه غير معجب بهذا العمل
ولكنه يبتسم لانه استطاع ان يعوضة بفكره تقف عندها كثيرا .. صاحب مدرسه
خاصة به خطوط واضحة مستقيمه ثابته مجربه فيما ندر عندما ارتاح لاسلوبه الذى
اختاره لنفسه جرب داخلة بهدوء ولم يزعج القارئ بالدهشه فى الاسلوب ولكنه
اراد ان ترتاح عين القارئ بسرعة تجد توقيعة .. فنان ذكى جدا حتى فى عز
دهشته.