بقلم: مصطفى سالم أحدث جاهين نقلة كبيرة في تاريخ الكاريكاتير منذ ظهوره، وأسس مدرسة الكاريكاتير المصري والعربي الحديث مع نجوم مدرسة روزاليوسف الكاريكاتيرية، المدرسة التي قدمت أشهر وأهم رسامي الكاريكاتير في مصر فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي مثل حجازي وبهجت وإيهاب وجورج ورجائي وناجي والليثي واللباد.
ارتبط اسم الفنان الشامل متعدد المواهب والقدرات صلاح جاهين (1930-1986) بالشعر والرباعيات علي الرغم من أن جاهين نفسه كان يعتبر أن الكاريكاتير هو أقرب الفنون إلي نفسه ووظيفته الأساسية، وبشكل شخصي لم أكن أفضل لقب الشاعر صلاح جاهين كنت أرى -ولا زلت- أنه رسام كاريكاتير في المقام الأول ثم يأتي الشاعر والسيناريست والممثل.
بدأت شهرة صلاح جاهين كرسام كاريكاتير محترف في منتصف الخمسينيات علي صفحات مجلة روزاليوسف حيث بدأ مسيرته الفنية، ثم علي صفحات مجلة صباح الخير التي شارك في تأسيسها عام 1956 حيث صدر العدد الأول، وترك جاهين مجلة صباح الخير سنة 1962 لينتقل إلي جريدة الأهرام التي يرأس تحريرها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل حيث كان يقوم برسم مربع الكاريكاتير بشكل يومي، ثم عاد ليتولى رئاسة تحرير صباح الخير لمدة عام واحد فقط سنة 1966 ليعود بعدها إلي جريدة الأهرام ليرسم الكاريكاتير اليومي.
كانت ثورة 23 يوليو 1952 مصدر الإلهام لصلاح جاهين وكان الأكثر إيماناً بها وبالحلم الناصري وكان شاعر الثورة ولسان حالها حيث عبر عنها من خلال كلمات أغانيه الوطنية التي غناها كبار المطربين والمطربات وعلى رأسهم أم كلثوم وعبد الحليم حافظ؛ "ثوار"، "إحنا الشعب"، "بالأحضان"، "بستان الإشتراكية"، "صورة"، "يا أهلا بالمعارك"، وغيرها حتي حدوث النكسة 5 يونيو 1967 التي كانت سبباً في إصابته بالإحباط والاكتئاب مثل كثير من المثقفين وفضل وقتها الإبتعاد عن كتابة الأغاني الوطنية.
كانت رسوم صلاح جاهين الكاريكاتيرية مؤثرة للغاية وذكية وجريئة تمتاز بروح مصرية خالصة وشخصياته الكاريكاتيرية لها حضور لافت وخفة دم مدهشة وكان كاريكاتير جاهين هو الأكثر متابعة حيث كان القراء ينتظرون رسومه يومياً في الأهرام، وكانت رسومه تلاقي قبولاً شعبياً غير مسبوق.
اهتم جاهين في رسومه الكاريكاتيرية بالتفاصيل و إثراء اللوحة الكاريكاتيرية كأنه كادر سينمائي يضيف له لمساته الفنية ويرسم فيه الخلفية والديكور والإكسسوارات والملابس إلي جانب اهتمامه بتعبيرات الوجه و لغة الجسد، وهنا كانت تكمن قوة صلاح جاهين في رسم الكاريكاتير الذي ما زال يعبر عن هموم المصريين و أحوالهم رغم مرور كل هذه السنوات وكأن الكاريكاتير مرسوم حديثاً، كما كان متأثراً بالموروث الشعبي وظهر ذلك واضحاً في صياغة تعليقاته ومفردات الحوار في رسوم الكاريكاتير، أيضا في الرباعيات التي تعد قمة الإبداع الشعري لجاهين حيث تحمل كثيرا من الفلسفه والعمق والتأمل في الحياة.
ابتكر جاهين العديد من الأبواب الكاريكاتيرية الثابتة مثل "قيس و ليلى" و "نادي العراة" و"قهوة النشاط" و"دواوين الحكومة" و"الفهامة" وشخصية "درش" وغيرها من شخصيات الكاريكاتير التي ناقشت مواضيع اجتماعية لم تكن مطروحه للنقاش وتعامل معها بكل جرأة دون إبتذال.
أبدع جاهين في مجالات مختلفة من الفنون و أثرى الحياة الفنية بالعديد من الأعمال في الكاريكاتير والرسم الصحفي والشعر والسينما والتلفزيون وكتب أوبريت "الليلة الكبيرة" أشهر أوبريت للعرائس في مصر، والفوازير والعديد من سيناريوهات الأفلام و سجل برسومه وأشعاره حقبة مهمة في تاريخ مصر الحديث من خلال تجربة بالغة التفرد.. صلاح جاهين حالة فنية وأدبية فريدة وعلامة مهمة لا تنسى في تاريخ مصر المعاصر.