بقلم: صلاح بيصار
بقلوب حزينة.. ودعنا مع الزملاء الفنانين ورسامى الكاريكاتير.. الفنان محمد حاكم.. الأخ الأصغر لحاكم أحد أعمدة المدرسة المصرية الحديثة فى فن الكاريكاتير وتوأم مصطفى حسين.. ومحمد فنان له أسلوبه بعيدا عن شقيقه الكبيرحسن.. تميزت رسومه بأسلوب فطرى تسيل منه الخطوط فى براءة وطزاجة.. والجميل أنه متعدد الإبداعات فى الفن الصحفى وفن الكتاب.. من نكتة الكاريكاتير التى تألقت بروزاليوسف وصباح الخيروالأهالى والدستور.. إلى رسوم الأطفال.. امتدت من الحكايات المصورة كما فى رسومه بمجلات الأطفال خاصة ماجد وعلاء الدين وقطر الندى.. مع رسوم كتب الأطفال.. فى عشرات من الكتب من بينها حكايات "الشاطر حسن وست الحسن".
السودان ومصر
ولد الفنان محمد حاكم لأسرة سودانية.. كان والده ينتمى لقرية صغيرة بشمال السودان وهاجر إلى مصر.. وأنجب حسن ومحمد.. واستقر بإنشاص التابعة لمركز بلبيس محافظة الشرقية.. عمل ضابطا فى سلك البوليس بـ"الخاصة الملكية".. وكان كل أمله أن يلتحق أحد أبنيه بكلية الشرطة ليمثل امتدادا وتأكيدا لشخصيته.. إلا أن حسن اختار كلية الفنون الجميلة لفرط موهبته وشغفه بالفن وعالم الخطوط والألوان.. بينما اختار محمد دراسة الفلسفة فالتحق بكلية الآداب وتخرج فيها عام 1962.. ورغم هذا ومع ماكان يحمل من جينات الموهبة الفنية.. انجذب إلى عالم الكاريكاتير عند شقيقه حسن.. وكان أن اتجه من البداية إلى الرسم الصحفى.. وفن الكاريكاتيرواستمر لفترة قصيرة متأثرا به ....لكن أصبحت له لغته الخاصة.. حتى لقب بفيلسوف الكاريكاتير لعمق التعبير والارتباط بالشخصية الشعبية المصرية.. وقد مزج بين فكره الفلسفى تأملاته للإنسان المصرى فى حركة الحياة اليومية.. بطيبته وتواضعه وتعايشه مع الروح الإنسانية.
عالمه
يقول: كان أخى حسن صاحب العباءة التى خرج منها معظم الرسامين.. بينما اخترت الانخلاع من تلك العباءة بأسلوبى البسيط.. المتداول بين الناس.. ونكتة الكاريكاتير فى معظمها بدون كلام.. تمثل انعكاسا لحياتنا اليومية ومن تجربتى مع البشروتأملى للشخصية المصرية.. تجد الفلاح الشرقاوى يهز رأسه بفصاحة وذكاء فى إيماءة للتعبير.. حتى يظن البعض أنه لم يقل شيئا.. لكنه يقول الكثير.. وبشكل لا إرادى وبلا تعمد لاحظ البعض رسمى للشخوص بدون أذن.. وربما جاء تفسير ذلك.. بأننا أصبحنا فى المجتمعات الحديثة لانسمع بعضنا بعضا.
تتميز خطوط محمد حاكم مع البساطة والبراءة وروح الدعابة بعمق الفكرة.. أحيانا تحمل تعليقا.. وفى أحيان أخرى بلا تعليق.
ويصل إلى درجة بليغة من السخرية فى رسومه على سبيل المثال: حين يدخل عجوز صيدلية حاملا سلة من القش.. يقول للصيدلى :عندك عيش؟!.
ويجلس شاب مع ماذون طالبا منه أن يختار له عروسة قائلا :"ماتشوف لى واحده حلوة!!".. بينما يصل إلى ذروة من التهكم حين نطالع أحد الموظفين نائما على الأرض خلف مكتبه.. وعندما يسأل عنه أحد المواطنين من الجمهور.. يقول له الساعى :"البيه في مهمه وزمانه راجع!!".. كما لوكان خارجا فى مهمة رسمية.
وشخوصة نطالعها بيننا نجد فيها ملامح من اهالينا.. الذين يصنعون ملحمة الحياة فى الريف والمدينة.. وحين انحسر فن الكاريكاتير فى الصحف.. انتقل حاكم الصغير إلى لوحة التصويرالساخرة.. وشارك فى ملتقيات الكاريكاتير فى مصر وخارجها وفى قاعات العرض الخاصة.. كما أصبح لديه قدرة كبيرة على ابتكار المشهد البانورامى الحافل بالصوروالتفاصيل الصغيرة.. وعشرات بل مئات الشخوص مع مكملات المشهد من البيوت والأشجار والمشاهد الداخلية والخارجية.. والتنغيم والتلوين.. وهو يستحضر صور الحياة التى أصبحت ذكرى وطواها الزمن.. بلغته العصرية فى مشاهد تجعلنا نقول: ياه كان زمان ويا لها من أيام ليتها تعود.. كما يستحضر مواقف ومشاهد من حياتنا اليومية وما نعيشه حاليا مايجعله مؤرخا بالصور الساخرة.
فى لوحة "مقهى حاكم" تتصدر قائمة الاسعار على الحائط مع لوحة خطية "الله اكبر" وشعار النادى الأهلى وشعار نادى الزمالك وصورة للحاج صاحب المقهى.. وهو يصور "فرح شعبى" فى ليلة الدخلة ووسط الحشود من الجموع.. أم العروس تحمل قميص شرف البكر الرشيد عروستها.. ويحفل مشهد المولد بالصورالشعبية مثل حلاق الرصيف وحامل الاثقال يقف وسط الزحام وغيرها من الصور.
وهو ينقلنا الى مكاتب الموظفين والطوابير وبؤس الجمهور المعذب بفعل الروتين.. ومع كل هذا ننتقل إلى المصيف وروح الحياة والانطلاق و"دقوا الشماسى"!.
فى رسوم الاطفال
امتدت أعمال محمد حاكم من الكاريكاتير إلى الحكايات المصورة "الكوميكس" وكانت له صفحات وصفحات بمجلات الأطفال.. بالإضافة إلى عشرات الكتب قدمها بريشته لأطفالنا.. انتقل بها إلى الرسوم التعبيرية "الاليستريشن" بنفس عالمه الفطرى التلقائى مع غنائياته اللونية.. ومن بين أجملها كتاب "الشاطر حسن وست الحسن" قصص قصيرة للشاعر فرج مكسيم.. وهنا نرى حسن يتصدر الغلاف برداء أزرق فى رمزية لليل والفكر والسهاد يقدم وردة لمحبوبته ست الحسن.. بردائها الأصفر رمز الشمس وطلوع النهار.. مع البيوت الأسطورية العتيقة والنخيل فى الخلفية.
وليس اجمل مما قاله لنا الزميل الفنان مصطفى الشيخ رئيس الجمعية المصرية للكاريكاتير: "كان دوما يعد الدقائق والساعات متعجلا دوران عجلة الاسبوع.. يملؤه الشوق لقدوم يوم الأحد من جديد ليلتقى بالأحبة فى مقر الجمعية المصرية للكاريكاتير حيث هى معقل الرسامين، وحيث الجدران العتيقة التى تحمل فى جنباتها ذكريات أساطير هذا الفن من أول زهدى العدوى مؤسس الجمعية مرورا برخا وجاهين وحجازى وحسن حاكم ومصطفى حسين وأحمد طوغان وجمعة فرحات، إلى جانب الكثير من الفنانين والأدباء والشعراء والمبدعين.. فى كل ركن منها كان له ذكريات.. كان حبه لهذا المكان حبا استثنائيا.. يدافع عنه ويدعم استقراره ونجاحه.. ولست أدرى ما الذى جعلنا فى اخر نسخة لمعارض الرواد أن يقع اختيارنا له ليكون بطلها.. وكأنها كانت نبوءة عن قرب رحيله ومغادرته.. وكم كان المعرض رائعا ومبهجا.. وكم كان الحضور طاغيا إلى حد فاق كل التوقعات.. ما زلت أذكر بسمته ولمعة عينيه.. سهلا لينا مترفعا.. يقدم النصيحة فى أدب جم وتواضع وحب صادق.. يغادرنا الفنان الكبير محمد حاكم بنفس الطريقة وبنفس الهدوء..مع الطيبين والنبلاء".
وإذا كان فن الكاريكاتير من بداية التاريخ المعاصر مكرسا برسومه المشاكسة التى صورت الادواء الاجتماعية والمفارقات السياسية والصور المقلوبة.. محفزا ومحرضا من أجل حياة أفضل يشع بالبسمة والضحكة.. وهو يؤثر بلغته النافذة الخاطفة كالبرق السريع بخطوط موحية مختزلة.. فقد كان محمد حاكم بخطوطه وألوانه وأفكارة مساحة متالقة فى ديوان الكاريكاتير المصرى.. سلام عليه وتحية إلى روحه وفنه.