|
عيد الجيش اللبناني .. جريدة النهار 2007 |
هو أحد رواد فن الكاريكاتير اللبناني والعربي الذين أثروا هذا الفن على مدار أكثر من خمسة عقود، رسم تاريخ لبنان المعاصر وما مرت به من أحداث وتطورات بأسلوبه السهل الممتنع، كانت ريشته سيفا مسلطا ليضرب بها فوق رؤوس الفساد والظلم والاستبداد، يوجه سهام النقد اللاذع ببلاغة فائقة للحكام وللسياسيين في لبنان، دون إهانة أو تجريح، ودون أن يؤذي مشاعر أحد، كان مدافعاً شرساً عن حقوق المواطن العادي، كان مقاتلاً، لم يستسلم يوماً لإغراء، ولم يخاف من أي تهديد، ولم يخضع للضغوط التى تعرض لها لإسكاته، بل كان يزداد قوة وصلابة في دفاعه عن سيادة لبنان وحدوده وحريته، كان وفياً لوطنه ورسالته، ومحباً ومخلصاً لفن الكاريكاتير، يفكر به ليلاً ونهاراً، وكان يقول: "بصفتي رساماً حراً يجب أن أكون جريئاً، لا أفكر في النتائج النهائية عندما أعمل، وأحيانا تشعر زوجتي وأولادي بالخوف من نتائج رسوماتي، لكنني عندما أرسم لا أفكر سوى بالموضوع ولا أخشى أي تهديدات، بل أعيش لحظتي مع رسومي وشخوصي".
ولد فنان الكاريكاتير بيار صادق في عام 1938، في مدينة زحلة اللبنانية، بدأ مسيرته الفنية في السابعة عشر من عمره، وكان طالباً في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، كانت بداية تجاربه في الرسم الكاريكاتيري في جريدة الصحافة عام 1956، ثم تنقل بعدها للعمل في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية منها الرسالة، الصياد، الجمهور، والأفكار، وصولا إلى الأنوار، ثم بعد ذلك انضم إلى أسرة جريدة النهار في العام 1960، بعد اللقاء الذي جمعه مع رئيس تحرير الجريدة غسان تويني الذي عرض عليه العمل معه، ووافق صادق على الفور، في البدايه كانت رسومه تنشر في الصفحة الثانية، ثم انتقلت لتنشر على ثماني أعمدة في الصفحة الأخيرة، كان القارئ اللبناني والعربي ينتظر يوميا الصفحة الأخيرة لجريدة النهار ليرى كاريكاتير بيار صادق، وبسبب هذا النجاح الفريد عرضت المكتبات الجريدة من صفحتها الأخيرة، بدلا من صفحتها الأولى.
خلال الحرب الأهلية في لبنان، اضطر بيار صادق لمغادرة جريدة النهار عام 1975، بسبب تعرّضه لمحاولة إختطاف، ثم انتقل إلى جريدة العمل التابعة لحزب الكتائب ليستمر فيها قرابة عشر سنوات، في أواخر الثمانينات انضم بيار للعمل بجريدة الجمهورية لمدة عام واحد، وبعد انتهاء الحرب عاد مرة أخرى للعمل بجريدة النهار في عام 1992، وبشرط وحيد وهو حريته المطلقة في الرسم والتعبير. كان بيار صادق يمتلك ريشة متفردة متمردة، ترصد وتوثق أزمات، وحروب، وأحداث ساخنة حدثت في لبنان وباقي البلدان، تنقل الواقع اللبناني بأمانة وإخلاص، تتحدث بلسان المواطن اللبناني وتحمل همومه، تشعر بآلام وإحساس البسطاء، وتنقل معانتهم اليومية بسبب الفقر والاضطهاد، تعبر عن آمالهم، أحلامهم، وتطلعاتهم لغدِ أفضل، كان بيار يختزل برسمة كاريكاتيرية واحدة عشرات المقالات، والآف الكلمات، تناول في رسومه الكاريكاتيرية العديد من الموضوعات، والأحداث التى تعرض لها الشارع اللبناني والعربي، منها على سبيل المثال، الاجتياح الإسرائيلي ومحاربته من قبل الرقابة اللبنانية، والحرب اللبنانية، ووفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ومعاناة الجنوب، ومجزرة قانا، وثورة الأرز، وعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأزمات المنطقة العربية وقضاياها.
من أشهر الشخصيات الكاريكاتيرية التى أبدعتها ريشة بيار صادق، شخصية اللبناني توما، الذي بدأ يظهر رسوماته عام 1979، والذي رسمه مرتديا الشروال اللبناني، والطربوش، كان توما ذكيا، ظريفاً، لاذعاً، وساخراً، يعبر عن المواطن ومايريده، يسخر من وعود وأقوال السياسيين، يوجه انتقاداته إلى أخطاء المسؤولين وفسادهم، عند سؤالهِ عن توما كان صادق يقول: "توما هو حال الشعب اللبناني، توما هو في بعض الأحيانِ أنا". كان بيار صادق أول فنان عربي عرض الكاريكاتير السياسي المتحرك على شاشة التلفزيون اللبناني، في عام 1985 اقترح الفكرة على المؤسسة البنانية للإرسال (LBC) ووافقت الإدارة، وعيّن مسؤولا عن المشروع، وفي مايو عام 1986 دشّن بيار صادق أولى شخصياته المتحركة، وقدم فقرة يومية ساخرة في ختام نشرة الأخبار المسائية، استطاع من خلالها الوصول إلى بيوت اللبنانيين وقلوبهم، وفي عام 2002 إنتقل للعمل في تلفزيون المستقبل ليختتم بها مسيرته الفنية.
وبعد صراع طويل مع المرض رحل بيار صادق عن عالمنا في 24 أبريل عام 2013، بعد مسيرة فنية حافلة بالنضال والإبداع، تاركا إرثا كاريكاتيريا كبيرا، وصل إلي 30 ألف عملاً فنياً، سيظل مصدر فخر واعتزاز للجميع، ومن أجل الحفاظ هذا الإرث الفني الضخم تأسست "مؤسسة بيار صادق"، في 7 نوفمبر 2013، والتى تعد أول مؤسسة كاريكاتيرية يتم تأسيسها باسم فنان بعد رحيله للحفاظ علي أعماله من خلال جمع وحفظ إنتاجه الفني داخل أرشيف عمومي، يكون في متناول الطلاب والباحثين، وكل من يرغب في التعرف على مسيرته الفنية، كما تنظم المؤسسة مسابقة للكاريكاتير تحت اسم "جائزة ريشة بيار"، للطلاب اللبنانيين والمحترفين في لبنان والعالم العربي، وتعد المؤسسة في الوقت الحالي كتاب "بيار صادق يحاكي التاريخ"، كما أنها تتواصل مع الدولة اللبنانية لدراسة إمكانية إنشاء متحف دائم لأعمال بيار صادق، والذي نتمنى أن يكون افتتاحه في القريب العاجل.
خلال مسيرته الفنية حاز بيار صادق على أوسمة عدة أبرزها: وسام الأرز الوطني من رتبة فارس في عهد الرئيس سليمان فرنجية عام 1972، ومن رتبة ضابط في عهد الرئيس إلياس الهراوي عام 1997، ومن رتبة كومندور في عهد الرئيس ميشال سليمان عام 2012. كما حصل على العديد من الجوائز المحلية والدولية أهمها: جائزة سعيد عقل عام 1965، وعام 2003، جائزة كمال المر عام 1988، درع المكتبة الوطنية، بعقلين عام 2000، جائزة نادي دبي للصحافة عام 2000، جائزة الليونز إنترناشونال عام 2000، جائزة الليونز ليبرتي عام 2010، وجائزة تقديرية من المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بتونس عام 2013.
وللفنان الراحل عدة مؤلفات هي: كاريكاتور صادق، اضحك مع بيار صادق على السياسيين، كلنا عالوطن، وبشير.